فصل: تفسير الآيات (100- 105):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (100- 105):

{وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105)}
{وعرضنا} أظهرنا {جهنم يومئذ للكافرين عرضاً}.
{الذين كانت أعينهم في غطاء} في غشاوةٍ {عن ذكري} أَيْ: كانوا لا يعتبرون بآياتي فيذكرونني بالتَّوحيد {وكانوا لا يستطيعون سمعاً} لعداوتهم النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يقدرون أن يسمعوا ما يتلوا عليهم.
{أفحسب} أفظنّ {الذين كفروا أن يتخذوا عبادي} الشَّياطين {من دوني أولياء} نفعهم ذلك ودفعوا عنهم، كلا {إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلاً} منزلاً.
{قل هل ننبئكم} نخبركم {بالأخسرين أعمالاً} بالذين هم أشدُّ الخلق وأعظمهم خسراناً فيما عملوا.
{الذين ضل سعيهم} حبط عملهم {في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً} يظنُّون أنَّهم بعملهم مُطيعون، ثمَّ بيَّن مَنْ هم، فقال: {أولئك الذين كفروا بآيات ربهم} بدلائل توحيده من القرآن وغيره {ولقائه} يعني: البعث {فحبطت أعمالهم} بطل اجتهادهم {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً} أَيْ: نهينهم بعذاب النَّار، ولا نعبأ بهم شيئاً.

.تفسير الآيات (107- 110):

{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108) قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)}
{جنات الفردوس} وهو وسط الجنَّة وأعلاها درجةً. وقوله: {لا يبغون عنها حولاً} لا يريدون أن يتحوَّلوا عنها.
{قل لو كان البحر مداداً} وهو ما يكتب به {لكلمات ربي} أَيْ: لكتابتها، وهي حِكَمُه وعجائبه، والكلمات: هي العبارات عنها {لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله} بمثل البحر {مدداً} زيادة على البحر.
{قل إنما أنا بشر مثلكم} آدميٌّ مثلكم {يوحى إليَّ أنما إلهكم إله واحدٌ فمن كان يرجو لقاء ربه} ثواب ربه {فليعمل عملاً صالحاً} خالصاً {ولا يشرك} ولا يراءِ {بعبادة ربه أحداً} نزلت هذه الآية في النَّهي عن الرِّياء بالأعمال.

.سورة مريم:

.تفسير الآيات (1- 4):

{كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4)}
{كهيعص} معناه: الله كافٍ لخلقه، هادٍ لعباده، يده فوق أيديهم، عالمٌ ببريَّته، صادقٌ في وعده.
{ذكر} هذا ذكر {رحمة ربك عبده زكريا} أَيْ: هذا القول الذي أنزلت عليك ذكر رحمة الله سبحانه عبده بإجابة دعائه لمَّا دعاه، وهو قوله: {إذ نادى ربه} دعا ربَّه {نداءاً خفياً} سرَّاً لم يطَّلعْ عليه غير الله.
{قال رب إني وهن} ضعف {العظم مني} أَيْ: عظمي {واشتعل الرأس شيباً} وكثر شيب رأسي جداً {ولم أكن بدعائك} بدعائي إيَّاك {ربي شقياً} أَيْ: كنت مستجاب الدَّعوة قد عوَّدتني الإِجابة.

.تفسير الآيات (5- 10):

{وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10)}
{وإني خفت الموالي} الأقارب وبني العمِّ والعصبة {من ورائي} من بعدي ألاَّ يحسنوا الخلافة لي في دينك {وكانت امرأتي} فيما مضى من الزَّمان {عاقراً} لم تلد {فهب لي من لدنك ولياً} ابناً صالحاً.
{يرثني ويرث من آل يعقوب} العلم والنُّبوَّة {واجعله ربِّ رَضِيّاً} مرضياً، فاستجاب الله تعالى دعاءه، وقال: {يا زكريا إنا نبشرك بغلام} ولدٍ ذكرٍ {اسمه يحيى} لأنَّه يحيا بالعلم والطَّاعة {لم نجعل له من قبل سمياً} لم يُسمَّ أحدٌ قبله بهذا الاسم، فأحبَّ زكريا أن يعلم من أيِّ جهةٍ يكون له الولد، ومثلُ امرأته لا تلد، ومثله لا يولد له فقال: {رب أَنّى يكون لي غلام} ولدٌ.
{وكانت امرأتي عاقراً وقد بلغتُ من الكبر عتياً} أَيْ: يُبوساً وانتهاءً في السِّنِّ.
{قال} جبريل عليه السَّلام: {كذلك} أَيْ: الأمر كما قيل لك. {قال ربك هو عليَّ هيَّنٌ} أردُّ عليك قوَّتك حتى تقوى على الجماع، وأفتق رحم امرأتك بالولد {وقد خلقتك من قبل} يعني: من قبل يحيى {ولم تك شيئاً}.
{قال رب اجعل لي آية} على حمل امرأتي {قال آيَتُكَ أن لا تكلم الناس ثلاث ليالٍ سوياً} أَيْ: تمنع الكلام وأنت سويٌّ صحيحٌ سليمٌ، فتعلم بذلك أنَّ الله قد وهب لك الولد.

.تفسير الآيات (11- 18):

{فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11) يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18)}
{فخرج على قومه} وذلك أنَّهم كانوا ينتظرونه، فخرج عليهم ولم يقدر أن يتكلَّم {فأوحى إليهم} أشار إليهم {أن سبحوا} صلُّوا لله تعالى {بكرة وعشياً} فوهبنا له يحيى، وقلنا: {يا يحيى خذ الكتاب} التَّوراة {بقوة} أعطيتكها وقوَّيتك على حفظها والعمل بما فيها {وآتيناه الحكم صبياً} النُّبوَّة في صباه.
{وحناناً} وآتيناه حناناً: رحمةً {من لدنا وزكاةً} تطهيراً. وقوله: {جباراً} أيْ قتَّالاً مُتكبِّراً {عصياً} عاصياً لربِّه.
{وسلامٌ عليه} سلامةٌ له منَّا في الأحوال التي ذكرها، يريد أنَّ الله سبحانه سلَّمه في هذه الأحوال.
{واذكر} يا محمَّد {في الكتاب مريم إِذِ انتبذت} تنحَّت من أهلها {مكاناً شرقياً} من جانب الشَّرق، وذلك أنَّها أرادت الغسل من الحيض فاعتزلت في ناحيةٍ شرقيةٍ من الدَّار.
{فاتخذت من دونهم حجاباً} تتستَّر به عنهم {فأرسلنا إليهم روحنا} جبريل عليه السَّلام {فتمثَّل} فتصوَّر {لها بشراً} آدمياً {سويَّاً} تامَّ الخلق.
{قالت إني أعوذ بالرحمن منك} أيُّها البشر {إن كنت تقيّاً} مُؤمناً مُطيعاً فستنتهي عني بتعوُّذي بالله سبحانه منك.

.تفسير الآيات (19- 23):

{قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23)}
{قال} جبريل عليه السَّلام: {إنَّما أنا رسول ربّك لأهب لك غلاماً زكياً} ولداً صالحاً نبيَّاً.
{قالت أنَّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر} ليس لي زوجٌ {ولم أك بغياً} ولست بزانيةٍ.
{قال كذلك} أَيْ: الأمر كما وصفت لك. {قال ربك هو عليَّ هيِّن} أن أهب لكِ غلاماً من غير أبٍ {ولنجعله آية} علامةً للنَّاس على قدرة الله تعالى {ورحمةً منا} لمّنْ تبعه على دينه {وكان} ذلك {أمراً مقضيّاً} قضيت به في سابق علمي، فرفع جبريل عليه السَّلام جانب درعها، فنفخ في جيبها، فحملت بعيسى عليه السَّلام، وذلك قوله سبحانه: {فحملته فانتبذت به} تباعدت بالحمل {مكاناً قصياً} بعيداً من أهلها في أقصى وادي بيت لحم، وذلك أنَّها لمَّا أحسَّت بالحمل، هربت من قومها مخافة اللائمة.
{فَأَجاءَها المخاض} وجع الولادة {إلى جذع النخلة} وذلك أنَّها حين أخذها الطَّلق صعدت أكمة، فإذا عليها جذع نخلةٍ، وهو ساقها ولم يكن لها سعفٌ، فسارت إليها وقالت جزعاً ممَّا أصابها: {يا ليتني مت قبل هذا} اليوم وهذا الأمر {وكنت نسياً منسياً} شيئاً متروكاً لا يُعرف ولا يُذكر، فلمَّأ رأى جبريل عليه السَّلام وسمع جزعها ناداها من تحت الأكمة.

.تفسير الآيات (24- 35):

{فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35)}
{فناداها من تحتها ألاَّ تحزني قد جعل ربك تحتك سرياً} نهر ماءٍ جارٍ، وكان تحت الأكمة نهرٌ قد انقطع الماء منه، فأرسل الله سبحانه الماء فيه لمريم.
{وهزي} وحرِّكي {إليك} إلى نفسك {بجذع النخلة تُسَاقط} النَّخلة {عليك رطباً جنياً} غضَّاً ساعةَ جُني، وذلك أنَّ الله تعالى أحيا لها تلك النَّخلة بعد يبسها، فأورقت وأثمرت وأرطبت.
{فكلي} من الرُّطب {واشربي} من الماء السَّري {وقري عيناً} بولدك {فإمَّا ترينَّ من البشر أحداً} فسألك عن ولدك، ولامَك عليه {فقولي إني نذرت للرحمن صوماً} صمتاً، أَيْ: قولي له: إني أوجبت على نفسي لله سبحانه أن لا أتكلَّم، وذلك أنَّ الله تعالى أراد أن يظهر براءتها من جهة عيسى عليه السَّلام يتكلَّم ببراءة أمِّه وهو في المهد، فذلك قوله: {فلن أكلم اليوم إنسياً}.
{فأتت به} بعيسى بعد ما طهرت من نفاسها {قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً} عظيماً منكراً، ولداً من غير أبٍ!
{يا أخت هارون} كان لها أخٌ صالحٌ من جهة أبيها يسمَّى هارون. وقيل: هارون رجلٌ صالحٌ كان من أمثل بني إسرائيل، فقيل لمريم: يا شبيهته في العفاف {ما كان أبوك} عمران {امْرَأَ سوء} زانٍ {وما كانت أمك} حنَّة {بغياً} زانيةً، فمن أين لك هذا الولد من غير زوجٍ؟
{فأشارت} إلى عيسى بأن يجعلوا الكلام معه، فتعجَّبوا من ذلك وقالوا: {كيف نكلم من كان في المهد صبياً} يعني: رضيعاً في الحِجْر.
{قال} عيسى عند ذلك: {إني عبد الله} أقرَّ على نفسه بالعبوديَّة لله سبحانه {آتاني الكتاب} علَّمني التَّوراة. وقيل: الخطَّ.
{وجعلني نبياً وجعلني مباركاً} معلِّماً للخير أدعو إلى الله تعالى {أينما كنت وأوصاني بالصلاة} أمرني بالصلاة {والزَّكاة} الطَّهارة {ما دمت حيَّاً}.
{وبرَّاً} لطيفاً {بوالدتي}.
{والسلام عليَّ يوم ولدت...} الآية. أَيْ: السَّلامة عليَّ من الله تعالى في هذه الأحوال.
{ذلك عيسى ابنُ مريم} أَيْ: الذي قال: {إني عبد الله آتاني الكتاب...} الآية، هو عيسى ابن مريم لا ما يقول النَّصارى مِنْ أنَّه إله، وإنَّه ابن الله، {قول الحق} أيْ: هذا الكلام قول الحقِّ، والحقُّ: هو الله سبحانه. وقيل: معنى قول الحقِّ: أنَّه كلمةُ الله {الذي فيه يمترون} يشكُّون. يعني: اليهود، يقولون: إنَّه لِزَنيةٍ، وإنَّه كذَّاب ساحر، ويقول النَّصارى: إنَّه ابن الله.
{ما كان لله} ما ينبغي له سبحانه {أن يتخذ من ولد} أَيْ: ولداً {سبحانه} تنزيهاً له عن ذلك {إذا قضى أمراً} أراد كونه {فإنَّما يقول له كن فيكون} كما قال لعيسى: كن فكان من غير أبٍ.

.تفسير الآيات (36- 39):

{وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (38) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (39)}
{وإنَّ الله ربي وربكم} هذا راجعٌ إلى قوله تعالى: {وأوصاني بالصَّلاة} وأوصاني بأنَّ الله ربِّي وربُّكم {فاعبدوه} {هذا} الذي ذكرت {صراط مستقيم}.
{فاختلف الأحزاب} يعني: فرق النَّصارى {من بينهم} فيما بينهم، وهم النّسطورية واليعقوبيَّة والملكانية {فويلٌ للذين كفروا من مشهد يوم عظيم} يريد: مشهدهم يوم القيامة.
{أسمع بهم وأبصر} ما أبصرهم بالهدى يوم القيامة وأطوعهم أنَّ عيسى ليس الله، ولا ابن الله، سبحانه، ولا ثالث ثلاثة، ولكن لا ينفعهم ذلك مع ضلالتهم في الدُّنيا، وهو قوله: {لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين} من أمرعيسى والقول فيه.
{وأنذرهم} خوِّفهم يا محمَّد {يوم الحسرة} يوم القيامة حين يُذبح الموت بين الفريقين {إذْ قضي الأمر} أُحكم وفرغ منه {وهم في غفلة} في الدُّنيا من ذلك اليوم {وهم لا يؤمنون} لا يُصدِّقون به.